سليمان بن عطية بن سليمان المزيني، العالم الجليل، والشاعر الفقيه، والتقي الورع، صاحب الأخلاق الحميدة والمآثر الخالدة، ولد - رحمه الله - في حائل عام 1317هـ، وتربى في بيت والده الشيخ عطية فنشأه على حب طلب العلم حتى بلغ الثالثة عشرة من عمره، ثم انتقل للعيش عند أخواله المزيني لوفاة والده عام 1330هـ. كان طويل القامة نحيف الجسم قليل الشعر يميل للإسمرار ذا عفة وحياء...

 قرأ القرآن وجوده وحفظه على يد الشيخ القارئ شكر بن حسين –رحمه الله– ، ثم تفرغ بشكل كامل إلى طلب العلم لما وهبه الله عز وجل من قوة حفظ وذكاء وسرعة بديهة على يد عدد من العلماء كالشيخ عبد الله بن خلف آل خلف، والشيخ عبد الله بن مرعي، والشيخ عبد الله بن سليمان البليهد، والشيخ عبد الله بن صالح الخليفي، والشيخ عبد الله التميمي –رحمهم الله–...

 كان محباً للقراءة، كثير الاطلاع على كتب العلم، لاسيما مؤلفات شيخ الإسلام أحمد بن عبد السلام بن تيمية والإمام ابن قيم الجوزية، ومال إلى التبحر في مذهب الإمام أحمد بن حنبل، حتى أنه جلس يفتي وهو في سن مبكرة من عمره. أحب مداومة الاطلاع على كتب الأدب والشعر فتأثر بها حتى غدا يشرح كتب الفقه في بحور متنوعة من الشعر، فشرح كتاب نظم زاد المستقنع للحجاوي في كتاب أسماه"روضة المرتاد في نظم مهمات الزاد"(1) عام 1352هـ كما قال رجزاً في أوله:


وبعد ذي أرجوزة مفيـــــــــدة     في فنها وجيـــــــــزة فريــــــــــدة
ألف وتسع من مئات وافيـــة     حافظها حـــــــــاز العلوم الزاكية
فقيهه في مذهب المبجــــــــلِ     وقدوة الأعـلام ذي الفضل الجلي
بحر العلوم أحمد بن حنبـــــلِ     الصابر المحتســــــب المفضـــــل

كما أن له نظماً في بحور العلم المختلفة كعلم الفرائض، وعلم الفلك، واللغة العربية، وعلم العروض، بالإضافة إلى علمه في الأنساب والسير ومعرفته في التاريخ، كما كان يلقي الشعر في المناسبات المختلفة – رحمه الله تعالى –. عرض عليه القضاء في حائل فرفض(2)؛ حيث كان ورعاً زاهداً في الدنيا، تالياً للقرآن في الليل، عفيفاً لا يحب الحديث بالناس، شغوفاً بالبحث عن مسائل العلم ومناقشتها... و لولا أن يظن القارئ الكريم أن ما يقرأ من فرط الخيال... لسردت عليه حوادث للشيخ مع علمائه تفوق التفكير! غير أنني أكتفي بذكر واقعة له مع الشيخ عبدالله الخليفي حينما وقفا يتناقشان في مسألة علمية من بعد صلاة العشاء حتى أذان الفجر الأول!

كلمات أغرب من الخيال...
    وحوادث تُرى كالسراب...
    لكنها حقائق مثل الجبال...
    فرحم الله تلك العظام الطاهرة...
    الزاهدة...
    التقية النقية...
    التي تذكرك بالسلف الصالح...


 إني لأشعر إذ أغشى معالمهم     كأنني راهب يغشى مصــــــلاهُ
الله يعلم ما قلّبتُ سيرتهـــــــــم
     
يوماً وأخطأ دمع العين مجراهُ

توفي -رحمه الله- مبطوناً في حائل وله ستة وأربعون عاماً في الرابع عشر من شهر شوال عام 1363هـ ، تاركاً ثلاثة من الأبناء: عطية ومحمد وعبد الله... وقد شيعه خلق عظيم. فرحمه الله رحمة واسعة... وأعلى مكانته في الآخرة... وأسكنه فسيح جناته... آمين.(بندر)
_____________

(1) المحقق بيد الشيخ عبد الرحمن بن سليمان الرويشد - يحفظه الله -.

(2) خشي العلماء من تولي القضاء، فتركوه، وزهدوا فيه ولم يطلبوه، وفضلوا الضرب والحبس على المنصب والجاه... فقد ضرب أبو حنيفة النعمان لرفضه زمام القضاء، واختفى سفيان الثوري حينما قلد إياه، وديدنهم في ذلك ما ورد عند الترمذي ‏أَنَّ النَّبِيَّ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏قَالَ: ((الْقُضَاةُ ثَلاثَةٌ، قَاضِيَانِ فِي النَّارِ وَقَاضٍ فِي الْجَنَّةِ، رَجُلٌ قَضَى بِغَيْرِ الْحَقِّ فَعَلِمَ ذَاكَ فَذَاكَ فِي النَّارِ، وَقَاضٍ لا يَعْلَمُ فَأَهْلَكَ حُقُوقَ النَّاسِ فَهُوَ فِي النَّارِ، وَقَاضٍ قَضَى بِالْحَقِّ فَذَلِكَ فِي الْجَنَّةِ)) وورد أيضاً عند أبي داود بلفظ آخر...

لأعلى